فصل: من فوائد صاحب المنار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} أي برد شديد قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجماعة، وقال الزجاج الصر صوت لهيب النار وقد كانت في تلك الريح، وقيل أصل الصر كالصرصر الريح الباردة، وعليه يكون معنى النظم ريح فيها ريح باردة وهو كما ترى محتاج إلى التوجيه، وقد ذكر فيه أنه وارد على التجريد كقوله:
ولولا ذاك قد سومت مهري ** وفي الرحمن للضعفاء كاف

أي هو كاف ومنع بعضهم كونه في الأصل الريح الباردة وإنما هو مصدر بمعنى البرد كما قال الحبر واستعماله فيما ذكر مجاز وليس بمراد، وقيل: أنه صفة بمعنى بارد إلا أن موصوفه محذوف أي برد بارد فهو من الإسناد المجازي كظل ظليل وفيه بعد لأن المعروف في مثله ذكر الموصوف وأما حذفه وتقديره فلم يعهد، وقيل: هو في الأصل صوت الريح الباردة من صر القلم والباب صريرًا إذا صوت، أو من الصرة الضجة والصيحة وقد استعمل هنا على أصله، وفيه أن هذا المعنى مما لم يعهد في الاستعمال، والريح واحدة الرياح، وفي الصحاح والأرياح، وقد تجمع على أرواح لأن أصلها الواو، وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلها فإذا رجعوا إلى الفتح عادت إلى الواو كقولك: أروح الماء وتروحت بالمروحة، ويقال أيضا: ريح وريحة كما قالوا: دار ودارة، وسيأتي إن شاء الله تعالى للعلماء من الكلام في هذا المقام، وأفرد الريح لما في البحر أنها مختصة بالعذاب والجمع مختص بالرحمة ولذلك روي اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا.
{أَصَابَتْ حَرْثَ} أي زرع.
{قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالكفر والمعاصي فباءوا بغضب من الله تعالى وإنما وصفوا بذلك لما قيل: إن الأهلاك عن سخط أشد وأفظع أو لأن المراد الإشارة إلى عدم الفائدة في الدنيا والآخرة وهو إنما يكون في هلاك مال الكافر وأما غيره فقد يثاب على ما هلك له لصبره، وقيل: المراد ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير موضع الزراعة وفي غير وقتها {فَأَهْلَكَتْهُ} عن آخره ولم تدع له عينًا ولا أثرًا عقوبة لهم على معاصيهم، وقيل: تأديبًا من الله تعالى لهم في وضع الشيء في غير موضعه الذي هو حقه وهذا من التشبيه المركب الذي توجد فيه الزبدة من الخلاصة والمجموع ولا يلزم فيه أن يكون ما يلي الأداة هو المشبه به كقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ} [يونس: 24] وإلا لوجب أن يقال: كمثل حرث لأنه المشبه به المنفق، وجوز أن يراد مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح، أو مثل ما ينفقون كمهلك ريح والمهلك اسم مفعول هو الحرث، والوجه عند كونه مركبًا قلة الجدوى والضياع، ويجوز أن يكون من التشبيه المفرق فيشبه إهلاك الله تعالى بإهلاك الريح، والمنفق بالحرث وجعل الله تعالى أعمالهم هباءًا منثورًا بما في الريح الباردة من جعله حطامًا، وقرئ تنفقون بالتاء.
{وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} الضمير إما للمنفقين أي ما ظلمهم بضياع نفقاتهم التي أنفقوها على غير الوجه اللائق المعتدّ به، وإما للقوم المذكورين أي ما ظلم الله تعالى أصحاب الحرث بإهلاكه لأنهم استحقوا ذلك وحينئذ يكون هذا النفي مع قوله تعالى: {ولكن أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} تأكيدًا لما فهم من قبل إشعارًا وتصريحًا، وقرئ {ولكن} بالتشديد على أن {أنفسهم} اسمها، وجملة يظلمون خبرها والعائد محذوف، والتقدير يظلمونها وليس مفعولًا مقدمًا كما في قراءة التخفيف، واسمها ضمير الشأن لانه لا يحذف إلاّ في الشعر كقوله:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ** ولكن من يبصر جفونك يعشق

وتعين حذفه فيه لمكان من الشرطية التي لا تدخل عليها النواسخ وتقديم {أَنفُسِهِمْ} على الفعل للفاصلة لا للحصر وإلا لا يتطابق الكلام لأن مقتضاه وما ظلمهم الله ولكن هم يظلمون أنفسهم لا أنهم يظلمون أنفسهم لا غيرهم وهو في الحصر لازم، وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاء}.
كَلَامٌ تَامٌّ، أَيْ لَيْسَ أَهْلُ الْكِتَابِ مُتَسَاوِينَ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَالْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ آنِفًا، بَلْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمُ الْأَقَلُّونَ، وَمِنْهُمُ الْفَاسِقُونَ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ فَهُوَ بَيَانٌ لَهُ بَعْدَ وَصْفِ الْفَاسِقِينَ وَذِكْرِ مَا اسْتَحَقَّتِ الْأُمَّةُ بِسُوءِ عَمَلِهِمْ. وَلَمَّا بَيَّنَ وَصْفَ فَاسِقِيهِمْ كَانَ مِنَ الْعَدْلِ الْإِلَهِيِّ أَنْ يُبَيِّنَ وَصْفَ مُؤْمِنِيهِمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} الْآيَاتِ، قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ جَمَاعَةٌ أَسْلَمُوا مِنَ الْيَهُودِ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، وَثَعْلَبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأُسَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأُسَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ- رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أنه كَانَ يَقُولُ فِي الْآيَةِ: لَيْسَ كُلُّ الْقَوْمِ هَلَكَ قَدْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ بَقِيَّةٌ بَلْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ فِي الْأُمَّةِ الْقَائِمَةِ: أُمَّةٌ مُهْتَدِيَةٌ قَائِمَةٌ عَلَى أَمْرِ اللهِ لَمْ تَنْزِعْ عَنْهُ وَتَتْرُكْهُ كَمَا تَرَكَهُ الْآخَرُونَ وَضَيَّعُوهُ.
وَحَمَلَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، أَيْ أَنَّ هَذَا مَقُولٌ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ الإسلام، لِأَنَّ مَا قَامُوا عَلَيْهِ هُوَ مَا ضَيَّعَهُ الْآخَرُونَ وَهُوَ مِنْ دِينِهِمْ وَكِتَابِهِمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالتَّمَسُّكِ بِمَا حَفِظُوا مِنْ كِتَابِهِمْ وَالْقِيَامِ بِمَا عَرَفُوا مِنْ دِينِهِمْ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ لِمَ قَبْلَ الإسلام. وَقَدْ نَقَلَ (الرَّازِيُّ) فِي الْآيَةِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَائِمَةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ كُلُّ مَنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ! وَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى إِدْخَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعُرْفِ الْقُرْآنِ؟ وَالْمُسْلِمُونَ مُسْتَغْنُونَ عَنْ هَذَا الْإِدْخَالِ بِقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الْآيَةَ وَمَا هِيَ مِنْ هَذِهِ بِبَعِيدٍ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مُفَسِّرِينَا قَدْ صَعُبَ عَلَيْهِمْ أن يكون فِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيَفْعَلُ الْخَيْرَ فَلِذَلِكَ اضْطَرَبُوا فِي الْآيَةِ وَأمثالهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْعَدْلِ الْإِلَهِيِّ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْوَاقِعِ وَإِزَالَةِ الْإِيهَامِ السَّابِقِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِينَ اللهِ وَاحِدٌ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَهُ بِإِذْعَانٍ، وَعَمِلَ فِيهِ بِإِخْلَاصٍ فَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، فَهُوَ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَفِي هَذَا الْعَدْلِ قَطْعٌ لِاحْتِجَاجِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الإيمان وَالْإِخْلَاصَ فِي الْعَمَلِ وَالأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ- يَعْنِي الْأُسْتَاذُ: أنه لَوْلَا مِثْلُ هَذَا النَّصِّ لَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللهِ لَمَا سَاوَانَا بِغَيْرِنَا مِنَ الْفَاسِقِينَ وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِهِ مُخْلِصُونَ لَهُ- وَفِيهِ اسْتِمَالَةٌ لَهُمْ وَتَنَاهٍ عَنِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمَمِ وَالْمِلَلِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْتَرِفُ فِيهَا أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِفَضِيلَةٍ وَلَا مَزِيَّةٍ لِلْآخَرِ، كَأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ- وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا- تَتَبَدَّلُ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا كَالَّذِي قَبْلَهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حَالَ كَوْنِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ خِلَافًا لِمُفَسِّرِنَا (الْجَلَالِ) وَغَيْرِهِ الَّذِينَ حَمَلُوا الْمَدْحَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُمْدَحُونَ بِوَصْفِ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا يُمْدَحُونَ بِعُنْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ أنه ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْمُفَسِّرِينَ فِي قوله: {قَائِمَةٌ} وَرَجَّحَ أَنَّ مَعْنَاهَا مَوْجُودَةٌ ثَابِتَةٌ عَلَى الْحَقِّ، قَالَ: وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالْمُنْحَرِفِينَ عَنِ الْحَقِّ بأنهمْ لَا يُعَدُّونَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُودِ وَإِنَّمَا حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْعَدَمِ، وَأَطَالَ فِي وَصْفِ مَنْ لَا خَيْرَ فِي وُجُودِهِمُ الَّذِينَ قَالَ فِي مِثْلِهِمُ الشَّاعِرُ:
خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا لِمَكْرُمَةٍ ** فَكَأَنَّهُمْ خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا

رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا سَمَاحَ يَدٍ ** فَكَأَنَّهُمْ رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْكَلِمَةِ فِي الْكَشَّافِ: أُمَّةٌ قَائِمَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ عَادِلَةٌ مِنْ قَوْلِكَ: أَقَمْتُ الْعُودَ فَقَامَ بِمَعْنَى اسْتَقَامَ.
وَأَقُولُ: إِنَّ اسْتِقَامَةَ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْحَقِّ مِنْ دِينِهِمْ لَا يُنَافِي مَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ ضَيَاعِ بَعْضِ كُتُبِهِمْ وَتَحْرِيفِ بَعْضِهِمْ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهَا، فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَ السُّنَّةِ وَيَحْفَظُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَيَعْمَلُ بِمَا عَلِمَ مُسْتَمْسِكًا بِهِ مُخْلِصًا فِيهِ يُقَالُ: أنه قَائِمٌ بِالسُّنَّةِ السَّنِيَّةِ عَامِلٌ بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ قَدْ نُقِلَ بِالْمَعْنَى وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ أَوْ مَوْضُوعٌ وَبَعْضُ النَّاسِ كَالْحَشْوِيَّةِ حَرَّفُوهَا بَلْ حَرَّفُوا بَعْضَ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَحْرِيفًا مَعْنَوِيًّا لِيُدَعِّمُوا بِهَا مَذَاهِبَهُمْ وَآرَاءَهُمْ.
أَمَّا قوله تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} فَمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ دَخَلَ فِي الإسلام ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ مُنَاجَاةِ اللهِ وَدُعَائِهِ لَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَهِيَ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ لاسيما زَبُورُ (مَزَامِيرِ) دَاوُدَ عليه السلام، كَقَوْلِهِ فِي الْمَزْمُورِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ: [5] يَا رَبِّ فِي السَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ أَمَانَتُكَ إِلَى الْغَمَامِ [6] عَدْلُكَ مِثْلُ جِبَالِ اللهِ وَأَحْكَامُكَ لُجَّةٌ عَظِيمَةٌ. النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ تُخْلِصُ يَا رَبِّ. [7] مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اللهُ فَبَنُو الْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ [8] يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتَكَ وَمِنْ نَهْرِ نِعْمَتِكَ تَسْقِيهِمْ [9] لِأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا [10] أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ وَعَدْلَكَ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ [11] لَا تَأْتِينِي رِجْلُ الْكِبْرِيَاءِ وَيَدُ الْأَشْرَارِ لَا تُزَحْزِحُنِي [12] هُنَاكَ سَقَطَ فَاعِلُو الْإِثْمِ دُحِرُوا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْقِيَامَ. وَقَوْلِهِ فِي الْمَزْمُورِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ: [1] إِلَيْكَ يَا رَبِّ أَرْفَعُ نَفْسِي [2] يَا إِلَهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ.
فَلَا تَدَعْنِي أُخْزَى. لَا تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي [3] أيضا كُلُّ مُنْتَظِرِيكَ لَا يُخْزُوا. لِيُخْزَ الْغَادِرُونَ بِلَا سَبَبٍ [4] طُرُقَكَ يَا رَبِّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي [5] دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي. لِأَنَّكَ أَنْتَ إِلَهُ خَلَاصِي. إِيَّاكَ انْتَظَرْتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ [6] أَذْكُرُ مَرَاحِمَكَ يَا رَبِّ وَإِحْسَانَاتِكَ لِأَنَّهَا مُنْذُ الْأَزَلِ هِيَ [7] لَا تَذْكُرْ خَطَايَا صِبَايَ وَلَا مَعَاصِيَّ. كَرَحْمَتِكَ اذْكُرْنِي أَنْتَ مِنْ أَجْلِ جُودِكَ يَا رَبِّ.
وَأمثال هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَالْمُنَاجَاةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَإِذَا رَآهَا الْعَرَبِيُّ الْبَلِيغُ غَرِيبَةَ الْأُسْلُوبِ فَلْيَذْكُرْ أَنَّهَا تَرْجَمَةٌ ضَعِيفَةٌ وَأَنَّ قِرَاءَتَهَا بِلُغَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي النَّفْسِ مِنْ قِرَاءَةِ تَرْجَمَتِهَا هَذِهِ.
أَمَّا السُّجُودُ الَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَيْهِمْ فَهُوَ إِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ صَلَاتِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِعْمَالٌ لَهُ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ التَّطَامُنُ وَالتَّذَلُّلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى فِي خِطَابِ مَرْيَمَ: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [3: 43].
ثُمَّ قَالَ فِيهِمْ: يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ يُؤْمِنُونَ إِيمَانًا إِذْعَانِيًّا وَهُوَ مَا يُثْمِرُ الْخَشْيَةَ لِلَّهِ وَالِاسْتِعْدَادَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا إِيمَانًا جِنْسِيًّا لَا حَظَّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ إِلَّا الْغُرُورُ وَالدَّعْوَى كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ صَوْتٌ فِي جُمْهُورِ أُمَّتِهِمْ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَالْفَسَادِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي التَّارِيخِ، وَبِذَلِكَ تَتَّفِقُ الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِيهِمْ، وَلَا غَرَابَةَ فِي ذَلِكَ فَقَدِ اتَّبَعْنَا سُنَنَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى تَرَكَ سَوَادُنَا الْأَعْظَمُ الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأُمَّةَ تَرَكَتْهُ إِلَّا أَفْرَادًا قَلِيلِينَ لَا تَأْثِيرَ لَهُمْ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ لَا يَتَبَاطَأُ عَمَّا يَعِنُّ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَإِنَّمَا يَتَبَاطَأُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كَمَا قال تعالى فِي الْمُنَافِقِينَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا} [4: 142] فَلَا غَرْوَ أَنْ يَقُولَ فِيهِمْ بَعْدَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا: وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ صَلُحَتْ نُفُوسُهُمْ فَاسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُمْ وَحَسُنَتْ أَعْمَالُهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ أَيْ فَلَنْ يَضِيعَ ثَوَابُهُ كَمَا يُكْفَرُ الشَّيْءُ أَيْ يُسْتَرُ حَتَّى كَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَقَدْ سَمَّى اللهُ تعالى إِثَابَتَهُ لِلْمُحْسِنِينَ شُكْرًا وَسَمَّى نَفْسَهُ شَكُورًا فَحَسُنَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ عَدَمِ الْإِثَابَةِ بِالْكُفْرِ الَّذِي يُقَابِلُ الشُّكْرَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ كَفَرَ عُدِّيَ هُنَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْحِرْمَانِ، فَالْمَعْنَى: لَنْ يُحْرَمُوا جَزَاءَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ وَإِنَّمَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُهُمْ مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ، فَمَنْ آمَنَ إِيمَانًا صَحِيحًا وَاتَّقَى مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ ثَمَرَاتِ إِيمَانِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، فَلَا عِبْرَةَ بِجِنْسِيَّاتِ الْأَدْيَانِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالتَّقْوَى مَعَ الإيمان.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
قَالَ (الرَّازِيُّ) فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا قَبْلَهَا: اعْلَمْ أَنَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَرَّةً أَحْوَالَ الْكَافِرِينَ فِي كَيْفِيَّةِ الْعِقَابِ، وَأُخْرَى أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّوَابِ، جَامِعًا بَيْنَ الزَّجْرِ وَالتَّرْغِيبِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَلَمَّا وَصَفَ مَنْ آمَنَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الصِّفَةِ الْحَسَنَةِ أَتْبَعَهُ تعالى بِوَعِيدِ الْكُفَّارِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَأَقُولُ: قَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالَّذِينِ كَفَرُوا، فَقِيلَ: هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مِنَ الْيَهُودِ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِلسِّيَاقِ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْآيَاتُ قَبْلَهُ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمِنْ حَيْثُ حَرَصَ الْيَهُودُ عَلَى الْمَالِ وَالْحَيَاةِ وَأَعَزُّهَا وَآثَرُهَا حَيَاةُ الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ عَامَّةً، وَقِيلَ: بَلْ هُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَرَهْطُهُ خَاصَّةً، وَوَجَّهُوهُ بِمَا نُقِلَ مِنْ إِنْفَاقِهِ الْمَالَ الْكَثِيرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكَلَامَ فِي الْكُفَّارِ عَامَّةً لِعُمُومِ اللَّفْظِ فَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَكَذَا مُشْرِكُو مَكَّةَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، قَالُوا: إِنَّهُمْ كُلَّهُمْ كَانُوا يَتَعَزَّزُونَ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَيُعَيِّرُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَتْبَاعَهُ بِالْفَقْرِ وَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْحَقِّ مَا تَرَكَهُ رَبُّهُ فِي هَذَا الْفَقْرِ وَالشِّدَّةِ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ إِذْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ قَلَّمَا يَشْعُرُ بِحَاجَتِهِ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ هِدَايَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ أَدَبٍ {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [96: 6، 7] وَقَدْ سَبَقَ لَنَا بَيَانُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا} [3: 10] الْآيَةَ.
وَقَدْ فَسَّرَ الْجَلَالُ كَغَيْرِهِ {تُغْنِيَ} بِتَدْفَعَ، أَيْ لَا تَدْفَعُ شَيْئًا مِنَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْغَنَاءِ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ، وَلِذَلِكَ رَدَّ هَذَا الْقَوْلَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ وَاخْتَارَ أَنَّ {شَيْئًا} هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ قَالَ: أَيْ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْغَنَاءِ، أَوْ لَا تُغْنِي غَنَاءً مَا، قَالَ: وَذَكَرَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ لِأَنَّ الْمَغْرُورَ إِنَّمَا يَصُدُّهُ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ أَوِ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ الِاسْتِغْنَاءُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ وَأَعْظَمُهَا الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ، فَالَّذِي يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَغْنِيًا بِمِثْلِ ذَلِكَ قَلَّمَا يُوَجِّهُ نَظَرَهُ إِلَى طَلَبِ الْحَقِّ أَوْ يُصْغِي إِلَى الدَّاعِي إِلَيْهِ: أَيْ وَمَنْ لَمْ يُوَجِّهْ نَظَرَهُ إِلَى الْحَقِّ لَا يُبْصِرُهُ، وَمَنْ لَمْ يُبْصِرْهُ تَخَبَّطَ فِي دَيَاجِيرِ الضَّلَالِ عُمْرَهُ حَتَّى يَتَرَدَّى فَيَهْلِكَ الْهَلَاكَ الْأَبَدِيَّ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ مَالُهُ فَيَفْتَدِي بِهِ أَوْ يَنْتَفِعُ بِمَا كَانَ أَنْفَقَهُ مِنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لِأَنَّ طَبِيعَةَ أَرْوَاحِهِمُ اقْتَضَتْ أن يكونوا فِي تِلْكَ الْهَاوِيَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُسْتَعِرَةِ، ثُمَّ مَثَّلَ حَالَهُمْ فِي إِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي فَتَنَتْهُمْ فَشَغَلَتْهُمْ عَنِ الْحَقِّ أَوْ أَغْرَتْهُمْ بِمُقَاوَمَتِهِ فَقَالَ: مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ قَالَ الرَّاغِبُ: مَثَلُ الشَّيْءِ- بِالتَّحْرِيكِ: مِثْلُهُ وَشِبْهُهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى صِفَةِ الشَّيْءِ، وَالْمَثَلُ فِي الْكَلَامِ: عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ فِي شَيْءٍ يُشْبِهُ قَوْلًا فِي شَيْءٍ آخَرَ لِيُبَيِّنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ وَيُصَوِّرَهُ: أَيْ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْحَقَائِقِ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْمَقَاصِدِ. وَالصِّرُّ- بِالْكَسْرِ- وَالصِّرَّةُ: شِدَّةُ الْبَرْدِ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَرْدُ عَامَّةً- حُكِيَتِ الْأَخِيرَةُ عَنْ ثَعْلَبٍ- وَقَالَ اللَّيْثُ: الصِّرُّ الْبَرْدُ الَّذِي يَضْرِبُ النَّبَاتَ وَيُحِسُّهُ اهـ. مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَفِي الْكَشَّافِ الصِّرُّ: الرِّيحُ الْبَارِدَةُ نَحْوَ الصَّرْصَرِ قَالَ:
لَا تَعْدِلَنَّ أَتَاوِيِّينَ تَضْرِبُهُمْ ** نَكْبَاءُ صِرٌّ بِأَصْحَابِ الْمُحِلَّاتِ

كَمَا قَالَتْ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ:
وَلَمْ تَغْلِبِ الْخَصْمَ الْأَلَدَّ وَتَمْلَأِ الْـ ** جِفَانَ سَدِيفًا يَوْمَ نَكْبَاءَ صَرْصَرِ